استعادة التراث الإسلامي السياسي: تدبرات بعد داعش

In English

الإسلام يواجه عدة تحديات في هذا العصر، ومنها العلاقة بين الدين والدولة. ”الدولة“ صنعٌ سياسي حديث وهي لا تقبل بأي منافس في السلطة والنفوذ. إقامة ما يسمى الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) سلطت الضوء على تلك الأزمة، لأن العالم الإسلامي ما زال في حالة فشل سياسي، ولم يثمر منه إلا الإستبداد والعنف.

كل العلماء المسلمين استنكروا داعش بإجماعٍ ووصفوها بأنها ليست دولة وليست إسلامية، وأنها من الخوارج. نيّتهم كانت صحيحة، ولكن قولهم أن داعش ليست دولةٌ بعيد عن الواقع. داعش كانت دولة بكل معاني الكلمة. داعش كانت خارج الإسلام وداخل الحداثة، لأن سببها للوجود كان سيسيا فقط، وكلما ذكرت داعش الشريعة الإسلامية، استعملتها للسلطة والسيطرة فقط وليس من أجل الدين.

الدولة الحديثة دينٌ بنفسها، وفي خلاف مع الإسلام كنظرة عالمية. كتب الباحث كارل شمِت في كتابه ”العقيدة السياسية“:

كل مفاهيم الهامة للدولة الحديثة مفاهيم عقائدية معلمنت، ليس فقط بسبب تطورهم التاريخي، حيث تم انتقالهم من العقيدة الدينية إلى نظرية الدولة، والإله القادر على كل شيء مثلا تم استبداله بالدولة القادرة على كل شيء.

ليس من الممكن تقييد الإسلام إلى بناءٍ سياسي، لأن الأبنية الإنسانية لا تتسامى أحكام الله. داعش بنَت دولةٌ حديثةٌ وزعمت أنها الخلافة الإسلامية، وهذا كان اختلافا كبيرا. كما يقول شمِت، الدولة الحديثة تستحوذ على قدرة الله في تنظيم المجتمع، في مقابل تسليم الناس إلى إرادة الله بأنفسهم. الدولة تصبح الأهم شئ في الدنيا، وداعش تقلّد الدول الغربية في دعواتها للتضحية من أجلها. داعش أعلنت ”جهاد“ ضد كل من يعاديها، ثم من أجل هذا الجهاد، استعملت أحد العلامات المميزة للدولة الحديثة: التجنيد العام. ما كان جهاد داعش في خدمة الدين، ولا في سبيل الله، بل تضحية في سبيل الدولة، كما في جيوش الدول الغربية.

حكم داعش أثبت نظرية شمِت بطريقة أخرى: استعمال الشرطة وقوة الدولة لإكراه الناس في أمور أخلاقية ودينية. تشويه ال”حسبة“، التي نأمر بها المعروف و ننهي عن المنكر، أكبر مثال لذلك. بدلا من إنتشار تقوى الله في القلوب، الحسبة أصبحت أداة الدولة فى التفحص من ولاء شعبها لها. لا مكان للمعارضة: قانون واحد، حكم واحد، دولة واحدة.

الدولة الإسلامية، ذلك التمازج العجيب بين المدينة ووستفاليا (ملاحظة المترجم: نظام الدول الحديث أُسس في عهد وستفاليا في عام 1648), في خطر دائم من الإرتباط بين صرامة التوحيد والقوات القمعية للدولة الحديثة. قارن هذا الاستبداد بالدول المسلمة في العصور الوسطى، التي تركت الناس أحرارا في معظم شؤونهم. – الشيخ عبد الحكيم مراد

إضافة إلى ذلك، داعش تبنت أنها حامية أهل السنة في العراق والشام على حساب الأديان الأخرى في المنطقة. داعش طردت المسيحيين من الموصل الذين كانوا يعيشون فيها منذ زمن طويل، وحاولت الإبادة الجماعية ضد الأيزيديين. أفعالهم لا تمثّل التراث الإسلامي السياسي، بل شكل حديث من السيطرة التي تفرضها الدولة. ما فعلت داعش ليس من الإسلام، بل إستمرار ما حدث في أوروبا ابتداءً من القرن التاسع والعشرون من مجازر والتطهير العرقي من أجل التجانس.

داعش تشوّهت الفقه الإسلامي لأهدافها السياسية. من لم يتبع إيديولوجي الدولة، فهو خطر ويلزم طرده أو قتله. هذا ما فُعل بالمسيحيين واليزيديين والشيعة، الذين عاشوا في مناطق أهل السنة لألف سنة، ثم أُخبروا فجأةً أن الفقه الإسلامي يفرض طردهم أو قتلهم.

إستعملت داعش التكفير ضد أعدائها مُدّعيا أنهم زنادقة ومشركين، ولكن في الحقيقة هذا لا يختلف من الدولة التي تستنكر الأعداء الذين يعادون أهدافها. كما قال موسوليني: ”كل شيء داخل الدولة، لا شيء خارج الدولة، لا شيء ضد الدولة.“ داعش أعلنت الحرب على كل شيء سوى نفسها: الجيش السوري الحر، نظام الأسد، القوات الكردية المختلفة، التحالف الشيعي، آل سعود، أمريكا، المنظمات المدنية، العلماء المستقلون، وكل شيء سوى داعش في الكون. ربما موسوليني وليس زرقاوي كان مؤسس داعش!

هل كان المسلمون قبل داعش مخطئون؟ هل كانت داعش حائرة؟ أم كانت تدرك ما تفعل، وزعمت أن هذا هو الأسلوب الأفضل؟ في أي حال، أفعال داعش مروّعة في ظل التراث الإسلامي الحقيقي.

كل هذا يثبت أن أصل داعش هو الحداثة. إقتراح بعض الناس أن دين الإسلام كان السبب الرئيسي في ظهور داعش إنحرافٌ من سياسات الغرب التي دمرت مجتمعات الشرق الأوسط. هذا الدمار صَنَعَ فراغٌ سياسي، الذي مُلئ بالذين تبنوا منطق الدولة، يعني التطهير والحرب الشاملة. هذا ليس بمفاجأة لأن الدولة الحديثة ولدت الشياطين عدة مرات، وما النازية والاشتراكية من داعش ببعيد. هؤلاء الحركات ليسوا أحداث مستثنية ولكن النتيجة الوحشية للحداثة.

رغم أن داعش ما هُزمت بشكل نهائي عسكريا ولا سياسيا، خسرت كل مناطقها ولجئت إلى حرب عصابات وهجمات إرهابية. كما يستقر الغبار في العراق والشام، فهذه فرصة ذهبية للتدبر حول ماذا حدث. على المسلمين أن يتعلموا كيف بدأت وتوسعت هذه الأحداث. لو فشلنا في هذا فيمكن أن تظهر جماعة مثل داعش مرة أخرى.

علينا أن تتعلق بالتراث الإسلامي. علينا أن نصنع مسارات لتحقيق النجاح بدون العنف الغير مبرر، الذي لا يحقق شيء إلا المزيد من الإخضاع. علينا أن نفهم الحالة السياسية  في الأمة اليوم، لنتجنب الأيديولوجيات الدولانية التي تعارض التوحيد ودين الإسلام.

Further Reading:

Modernity and the Holocaust, Zygmunt Baumann

The Impossible State: Islam, Politics, and Modernity’s Moral Predicament, Wael Hallaq

The Crisis of Islamic Civilization, Ali A. Allawi

After Virtue: A Study in Moral Theory, Second Edition, Alasdair Macintyre

How to create an Islamic government – not an Islamic state: http://www.middleeasteye.net/columns/how-create-islamic-government-not-islamic-state-981734133

Empire of Desire: Technology, Capitalism, and the Perennial Moral Challenge: https://www.taseelcommons.com/philosophy/empire-of-desire-technology-capitalism-and-perennial-moral-challenge

Citations:

  1. Schmitt, Carl. Political Theology: Four Chapters on the Concept of Sovereignty. Ed. George Schwab. Chicago University Press: Chicago, 1985; 36.
  2. Hallaq, Wael. The Impossible State: Islam, Politics, and Modernity’s Moral Predicament. Columbia University Press: New York, 2013; 89-97..
  3. Murad, Abdal Hakim. Commentary on the Eleventh Contentions. Quilliam Press: Cambridge, 2012; 51.
  4. Image by Simon Stalenhaag

About the author: Dimashqee is a student of history and politics, focusing on statecraft, geopolitics, and world history (including Islamic civilisation and rise & decline theory).

This article was generously translated by Yousuf. If you’d like to contribute to our translation efforts, please contact us here

2 thoughts on “استعادة التراث الإسلامي السياسي: تدبرات بعد داعش

Leave a Reply